According to Alalam.ir Website : معنى ذلك أن هذه الثورات لا تعبر عن طبقة محددة من طبقات الشعوب العربية الثائرة بقدر ما تعبر عن مختلف الطبقات، إنها حالة شعبية عامة وبما أن الثورات العربية الظافرة والتي في طريقها إلى انجاز مهمتها تفتقر إلى قيادة طبقية محددة وواضحة المعالم فإنها بالضرورة تفتقد إلى إيديولوجيا محددة وواضحة فهي بهذا المعنى ليست ثورة طبقية تخص هذه الطبقة دون تلك، لكنها من نتاج كل طبقات المجتمع هنا أو هناكهي ثورة الشعوب العربية بكل مكوناتها في جهة ضد حكامها في جهة أخرىوعلى ضوء سمة انتفاء الطابع الطبقي الأيديولوجي للثورات العربية يمكننا القول أنها ثورات المجتمعات والشعوب العربية على اختلاف مكوناتها الطبقية والاثنية والدينية والمذهبية ضد أنظمتها الاستبدادية أجمهورية كانت أم ملكية، لا فرق حيث الشمولية والاستبداد المزمنان يضربان بأطنابهما ويوحدان محتوى هذه الأنظمة، ثورة تحتوي على العلماني واليساري والقومي والديني والاثني، فهي كل هذه الأشياء مجتمعة وأكثر، لكن دون أن تكون احدهاولكن مع ذلك يظل السؤال قائما: لماذا الثورات العربية ليست طبقية؟ بالمعنى الكلاسيكي على الرغم من أن المجتمعات العربية تتكون من طبقات وشبكة مصالح وطبقات حاكمة وأخرى محكومة، وأيا كان رأينا في طبيعة التشكل الطبقي المشوه لبنية المجتمعات العربية عموما فإن هذه المجتمعات تقوم على أسس طبقية، وفيها استغلال طبقي، وفيها استئثار بالمال والجاه والسلطة، ما في ذلك شكإجابة على ذلك كملاحظة أولى: نعتقد أن الحكم الشمولي والاستبدادي العربي الطويل قد لعب دورا واعيا أو لاواعيا لا فرق- في انتفاء الطابع الطبقي والأيديولوجي للثورات العربية وذلك بفعل سياسات الإفقار واضمحلال وتشرذم الطبقات وخاصة الطبقة الوسطى القادرة في حال وجودها على امتصاص نقمة الجماهير والطبقات المسحوقة من جانب، والحد من قمع وجبروت السلطة الموجه إلى الطبقات المسحوقة من جانب آخر، والقادرة في الوقت نفسه على قيادة الثورات بأيديولوجيتها الوسطية فالطبقة الوسطى هي الأخرى مهيضة الجناح بسبب تآكلها أو اندماج فئاتها العليا في بنية الأنظمة العربية الاستبدادية وارتباطها الوجودي بها صعودا أو سقوطا، ونزول فئاتها الوسطى والدنيا إلى الجماهير والطبقات الفقيرة والمسحوقة يضاف إلى ذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني الفاعل وغياب الحياة الحزبية السليمة القادرة على المبادرة وخربطة الهندسية الاجتماعية من خلال التشطير الاجتماعي والأيديولوجي والمذهبي والديني والاثني من قبل الأنظمة العربية بالارتباط بالثروة النفطية وتغوّل الأجهزة الأمنية والمخابراتية على حساب الممارسة السياسية المدنية السليمةوفي وضع كهذا يصبح المجتمع وكأنه مقسوم بين طرفين لا ثالث لهما، طرف السلطة وأعوانها وبطانتها 'وبلطجيتها وفداويتها وشبيحتها' وما تمثله من طغيان وعنف مفرط تجاه المعارضين الأقربين والأبعدين على حد سواء وعزلتها عن هموم الشعب، وطرف آخر يمثله المجتمع / الشعب بكل طبقاته وفئاته وطوائفه بإزاء السلطة الغاشمة وقمعها الرهيب ومحاولاته التمرد على هذه السلطة الجاثمة فوق صدره من خلال وحدته ووحدة مطالبه التي تحظى بإجماع مختلف الطبقات، وما تبقى له من كيان غير مخترق ومن إرادة آخذة في الاضمحلال بفعل الإقصاء والقمع الممنهج إننا في هذه الحال أمام فسطاطين متنافرين، فسطاط الحكومات وما تمثله، وفسطاط الشعوب وما تطمح إليهيقودنا ذلك إلى الملاحظة الثانية: وهي أنه في مثل هذه الحال يجد الشعب نفسه متوحدا موضوعيا دون النظر إلى مكوناته الطبقية، الطائفية، المذهبية، الدينية والاثنية - في وجه السلطة المتوحدة بذاتها ولذاتها ودون أن تأبه بصرخاته أو بمطالبه من أي نوع، لذلك ليس من الغريب أن نجد ما يميز الثورات العربية هي أنها ثورات شعبية جماهيرية، طاقتها من كل المكونات الاجتماعية التي تنشد الحرية والكرامة والقضاء على الاستبداد والطغيان، والتي وجدت نفسها تتوحد ضد الحكم في لحظة تاريخية نادرة قلما يجود الزمان بهافكل الثورات العربية هي ثورات جماهيرية شعبية لم ترفع شعارات طبقية، وإنما كانت شعاراتها عامة جامعة من قبيل الشعب يريد إسقاط النظام، بمعنى إسقاط الاستبداد والطغيان، واستعادة الكرامة والحرية المهدورتين هذا النظام العربي الذي لم يوفر أحداً ولم يتورع عن ارتكاب أي نوع من الحماقات والفظاعات تجاه شعبه /شعوبهأما الملاحظة الثالثة في هذا السياق فتتمثل في: أن الثورات العربية عامة وفي كل بلد خاصة، تتجلى بمظهر الحالة الشعبية العامة المتقدمة على حركة القوى والأحزاب الكلاسيكية الأيديولوجية، وبغض النظر عن توجهاتها السياسية يضاف إلى ذلك وهذا هو الأهم ذلك الطابع الفجائي لهذه الثورات، والتي لم تكن بحسبان الأنظمة العربية، بل كان الحكام ولا يزالون يعتقدون أنهم بمنأى عن رياح تلك الثورات، لكن الأحداث كذبت وثوقيتهم وتوقعاتهم، وهذا إنْ دل على شيء فإنما يدل على أن الأنظمة العربية في واد وشعوبها الثائرة في واد آخر وليس بمكنتها أن تقرأ الأحداث والوقائع، وتطلعات الشعوب العادلة بطريقة صحيحةبالنسبة للملاحظة الرابعة فتتجلى في: أن من أهم سمات الثورات العربية هو بعدها الشبابي، حيث يشكل الشباب ومن كل الطبقات محركها الأول لدرجة أن هؤلاء الشباب استطاعوا أن يفرضوا مزاجهم ومطالبهم وأجندتهم وتكنولوجيتهم في كيفية إدارة ومسيرة هذه الثورات وهنا يمكن القول أن سوسيولوجيا الشباب وما يمثلونه من أحلام واهتمامات ومن بساطة وانفتاح على المعلوماتية والانترنت قد طبعت الثورات العربية بطابعها إنها الثورات العربية الشبابية التي التف حولها الشعب العربي بكل قواه الفاعلة والحيةهذا يفضي بنا إلى الملاحظة الخامسة، وهي: أن هذه الثورات تفتقد بخلاف العادة إلى القيادة الكاريزمية الواضحة والى البرامج والخطط المسبقة كتلك التي عرفناها في الثورات الكلاسيكية السابقة التي تقودها أحزاب أو حركات جماهيرية أو ائتلافات حزبية، أو جبهات وطنية، لكنها بالتأكيد لا تفتقد إلى القيادةإذنْ من كل ما سبق يقودنا إلى الملاحظة السادسة: وهي أن الثورات العربية هي ثورات شعوب بالمعنى العام للكلمة تعبر عن مختلف أطياف المجتمع ضد الأنظمة القائمة بحثا عن الكرامة والحرية والعدالة في المقام الأول والمفتقدة في تنظيم العلاقة بين الحاكم العربي المستبد من جهة، والشعوب العربية التي ملت وسئمت طبيعة وآلية الأنظمة العربية في طريقة الحكم وتداول السلطة وإدارة البلاد والعباد من جهة أخرىأما ملاحظتنا السابعة والأخيرة فتبدو في: أن الثورات العربية وإنْ بدت دون أيديولوجيا، فلا يعني ذلك أنها لا تمتلك أيديولوجيا بالمطلق والأصح أن لها أيديولوجيتها الضمنية ذات الطابع الشبابي الجامع لكل فئات المجتمع، خاصة أن الشباب هم الأكثر قدرة على التواصل فيما بينهم دون النظر إلى انتماءاتهم الطبقية، لذلك فإن شباب الثورات العربية ينتمي إلى كل طبقات المجتمع لأن همومه واحدة وتطلعاته واحدة وأفكاره تلقى قبولا لدى كل الطبقات وفي ما يتعلق بأيديولوجيا الثورات العربية يمكن القول أنها في الغالب هي أيديولوجيا ضمنية تتمثل في أفكار ووعي شبابي ثوري ذي بعد لبرالي منفتح ومتسامح يقوم على مبادئ من قبيل الحرية، الديمقراطية، العدالة، التداول السلمي على السلطة، وتلبية احتياجات الناس، واحترام حقوق الإنسان والمواطنة الحقة، والحفاظ على الثروات الوطنيةختاما فإن الثورات العربية من الطبيعي أن تكون لها أسبابها في سيرورة المجتمع العربي ولها اسببها الاجتماعية المتراكمة من الناحية الكمية، فهي لم تولد من فراغ وليست نبتا شيطانيا وليست مؤامرة كما يدعي الحكام، الأمر الذي أدى مع مرور الزمن إلى حدوت هذه الثورات، وهي تمثل التغير النوعي المترتب على تلك التغيرات الكمية في أحشاء المجتمع بفعل سياسات الأنظمة العربية الفاشلة منذ زمن بعيدولأن كل مكونات المجتمعات العربية الثائرة كانت مستهدفة بتلك السياسات الاستبدادية والاقصائية، فقد هبت كل الشعوب عن بكرة أبيها تنفض عنها سنوات من الهوان والذل، ووصلت إلى قناعة إلى المطالبة برحيل الأنظمة التي تجمدت إلى الأبد، ولم تعد صالحة لمواكبة الزمن، وغير قادرة حتى على الإصلاح حيث يعني إقدامها على هذا الأخير بداية النهاية، وفاقد الشيء لا يعطيه، لذلك فهي تعول كثيرا على الحلول الأمنية والعنف المفرط والبعيد عن المعقول ومحاولات إدخال المجتمع في أتون حروب طائفية ومذهبية واثنية، لتظل هذه الأنظمة سيدة الموقف، والشعب العربي واع لكل هذه الألاعيب، فليس أمامه إلا خيار / شعار الشعب يريد إسقاط النظام / الأنظمة ...
Original Text At Alalam.ir
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق